إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
كتاب الروض المربع الجزء الأول
128660 مشاهدة print word pdf
line-top
زكاة النقدين

بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشارح -رحمه الله تعالى- باب زكاة النقدين أي: الذهب والفضة، يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم إسلامي ربع العشر منها؛ لحديث ابن عمر وعائشة مرفوعا: أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالا نصف مثقال رواه ابن ماجه وعن علي نحوه وحديث أنس مرفوعا في: الرقَة ربع العشر متفق عليه والاعتبار بالدرهم الإسلامي؛ الذي وزنه ستة دوانق.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
النقد: هو ما يُنقد في قِيَم السلع. يُقال: نقد الثمن يعني: دفعه وسلمه. والنقود هي: العملة التي يتعامل بها وكانوا يتعاملون بالذهب والفضة؛ يصوغون منها نقودًا؛ فمن الذهب: الدينار، ومن الفضة: الدرهم، ولم يزالوا كذلك إلى عهد قريب يتعاملون بالنقد من الذهب ومن الفضة. أدركنا في هذه الأزمنة المتأخرة النقد من الفضة يسمى عندنا ريالا فرنسيا أو ريالا سعوديا، وفي الهند والباكستان يسمى روبية، وكذلك قد يُسَمَّى أيضا قِرشا وهو من الفضة أو نحوها، فتكون هذه الأشياء هي قِيَم السلع.
من اشترى سلعة فإنما يدفع قيمتها من هذه النقود، هذا هو الأصل. ثم في هذه الأزمنة قامت مقامها هذه الأوراق، وسُمِّيت نقودا أوراقا نقدية، وسميت أيضا بأسماء النقود القديمة؛ فالدرهم يوجد في بعض العملات، والدينار يوجد أيضا كما في الدينار الكويتي والعراقي، وكذلك وُجد ما يُسمى بالجنيه عندنا وفي السودان وفي مصر لكن الجنيه عندنا لا يزال من الذهب، وأما عندهم فهو من الأوراق، والحاصل: أن الفضة يُصاغ منها نقود، والذهب يُصاغ منه نقود قديما وحديثا. وقد كان العرب قبل الإسلام يتعاملون بالنقود الرومية والفُرسية، ثم بعدما دخل أهل تلك البلاد أو بعضهم في الإسلام، واتسعت رقعة الإسلام ضُربت النقود الإسلامية في عهد عبد الملك بن مروان واستغنوا عن النقود الرومية والفارسية ونحوها، وأصبحت النقود مُعَيَّنة؛ فأصبح الدرهم له مقياس معلوم، والدينار له وزن معلوم. ولما كانت من الأموال التي تُستثمر, والتي يُتاجر بها وجبت فيها الزكاة؛ لعموم الآيات التي فيها قوله: وَآتُوا الزَّكَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وقوله: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ حق: يعني واجب.
ومعلوم أن من الأموال أو من أنفس الأموال هذه النقود، ومعلوم أيضا أنها ذات قيمة في النفوس، فهي التي تخدم أهلها وتنفعهم عند الحاجة، ويستعملونها في استجلاب حاجاتهم، وإن كان في اقتنائها أو في صورتها ما قد يكون محلا لذمها؛ ولكن هي في الحقيقة نافعة وخادمة لمن كانت معه ومفيدة له وتحل عنه المضائق التي يقع فيها، فلا جرم أصبحت زكوية، ولما كانت غلتها أقل من غلة المواشي ومن غلة الخارج من الأرض جعلت زكاتها أقل فجعل فيها ربع العشر، وجعل نصابها أكثر؛ مائتي درهم وعشرين مثقالا.
ذكروا أن الدرهم أنه يساوي ستة دوانيق أو نحوها، والدانق هو أيضا قطعة صغيرة من الفضة يستعملونها، والآن صاروا يزنون بما يسمى بالجرام أو الغرام؛ هكذا يلفظون به جرام لغة أجنبية ولكن لما كان هذا الحرف الجرام ليس فصيحا قلبوه إلى جيم أو غين. فمنهم من يقول: غرام ومنهم من يقول: جرام، لأن الجاء ليست من الحروف الفصيحة، وإن كانت تقوم مقامها القاف. فالوزن الآن يرجع إلى هذا الجرام. وبكل حال الأصل أنه يرجع إلى مقدار الذهب ومقدار الفضة؛ مقدار النصاب من الذهب ومقدار النصاب من الفضة ومقدار قيمتهما، تقدير العشرين دينارا والمائتي درهم بالجرامات ؛ منهم من قدر العشرين دينارا بأربعة وثمانين درهما، ومائتي درهم بمائة وخمسة وتسعين.

line-bottom